” يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر ”
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه ،
ويكثر الشر وأسبابه ، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل
القليل ، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة ، كحالة القابض على الجمر ،
من قوة المعارضين ، وكثرة الفتن المضلة ، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد ،
وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ،
وضعف الإيمان ، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد .
. فالجمر في يد المسلم الصامد و محكم يده عليه . هو يتألم من الحرارة
الملتهبة للجمر و لكنه قابض عليها . و هذا التشبيه يعكس مدى ما يقاسيه و
يعانيه المؤمنون في ذلك الزمان في سبيل الاحتفاظ بدينهم و تعاليمه .
فالمغريات و الصعوبات تأتي من كل جهة و تصل إليك و أنت في مكانك , و
المتدين غريب في مجتمعه بل و في بيته وعائلته .
.
فمع هذه الشرور المتراكمة ، والأمواج المتلاطمة ، والمزعجات الملمة ،
والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق
هذا الحديث .
ولكن مع ذلك ، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة
الله ، ولا ييأس من روح الله ، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة
، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب ، الكريم الوهاب ،
ويكون الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لا يخلفه ، بأنه سيجعل له بعد عسر
يسرا ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول
المفظعات .
ونحن نشاهد و ندرك انطباق هذا الحديث
الشريف على واقعنا المعاصر , و ما سيأتي سيكون أصعب و أشد . فعلى المؤمن
في هذا الزمان أن يبحث عن المؤمنين الصابرين مثله , لكي يخفف من وحدته و
غربته , و لكي يتواصو بالحق و بالصبر . فصحبة المؤمنين و مجالستهم و
رؤيتهم من أنجع أساليب تذكر الآخرة و تجديد النشاط لمواجهة النفس و
الشيطان . فلا تكن كالشاة المنفردة حيث يسهل على الذئب افتراسها . كما لا
بد من إكثار ذكر الله تعالى بالليل و النهار سراً و علانية . فاستعينوا
بقيام الليل فإنه خير معين على الآخرة و الدنيا .
__________________